هل تعلم ان :
ليبرالي = علماني = تقريبا كافر ؟!
دولة اسلامية = دولة دينية = دولة ثيوقراطية يَحكم فيها باسم الاله ؟!
يساري = اشتراكي = شيوعي ماركسي كافر ؟!
ان د.محمد سليم العوا اخوان ، و أ.عصام سلطان ليبرالي وبالتبعية علماني !
انا لم اصطنع هذا الكلام ، لكن هذا بعض ما كان يتردد امامي خلال الاسابيع القليلة الماضية !
المواطن المصري بطبيعته يحب ان يكون له كلمة فى كل شئ ، حتى وان قلت او انعدمت معلوماته عن الموضوع الذي يتحدث به !
و هو ما ينطبق بطبيعة الحال على الحوار فى القضايا السياسية والحديث عن التيارات السياسية المختلفة ، وهي التجربة الجديدة التي يعيشها المواطن المصري لاول مرة بهذا الشكل فى تاريخ هذا الوطن .
و هنا يجد نفسه حائرا بين كم هائل من التيارات والافكار السياسية والمصطلحات السياسية المختلفة ، وخصوصا بعد ان اصبح الانترنت و البرامج التلفزيونية و الجرائد لا تعطيك ادنى فرصة من الراحة !
فاللقاءات والاخبار والندوات والمقالات تتباع الواحدة تلو الاخرى كل ساعة ، ويحمل كل منها وجبات دسمة من هذه المعلومات .
و حتى لا تصفني بالنفاق ، فانا كحال النسبة الاكبر من المصريين اعيش هذه التجربة فى حالة من الصراع الفكري "المفاجئ" بنفس الطريقة !
فمحدثك لن يدعي ابدا انه الرجل المثقف العلامة الذي عاش حياته بين الكتب يقرأ ويبحث ويحدثك الان من خلال علم وفكر بناه خلال سنوات حياته الماضية !
ولكن زادي فى هذه المعركة المفاجئة يعتمد بشكل كبير جدا على حديث اصحاب الافكار انفسهم وبشكل صغير جدا على قراءاتي.
لكن ما استطيع ان ادعيه ان لدي مبدأ هام وهو اعطاء كل شخص فرصته كاملة والاستماع الى كل ارائه وافكاره بكل تفاصيلها قبل ان اقارنها بغيرها و اقيمها واحكم عليها بعقلي .
فانا لا اضع نفسي ابدا فريسة لخبر صحفي مقصوص او مغلوط او كلمة مقصوصة من لقاء او برنامج يريد من ينشرها تشويه صورة صاحبها عمدا ظنا منه ان هذا انتصار لفكرته ! بل احاول ان اتحرى دائما حقيقة الامر الى اقصى درجة ممكنة .
و للاسف الشديد فان البعض اختار ان يسير وراء فكرة او اشخاص معينين فقط معصوب العينين دون ان يكلف نفسه ان يعطي نفسه فرصة الاستماع لاراء الاخرين بشكل كافي !
فهو يشعر ان لديه الحقيقة السليمة والمطلقة وان الاخرين جميعهم مخطؤون ، واصبح شغله الشاغل ان يهاجم الطرف الاخر بكل الوسائل الممكنة ، حتى لو كانت عن طريق نشر كلام مغلوط او جاء فى غير موضعه احيانا عن قصد و احيانا عن جهل دون ان يكلف نفسه عناء التحري والتحقق .
ان يحدث هذا من مواطنين لاول مرة يتناقشوا فى مثل هذه الامور فهو شئ طبيعي ، لكن ان يتم تغذية هذا الامر من اشخاص اصحاب كلمة سواء كانوا قادة سياسيين او مفكرين او اعلاميين او رموز تيارات دينية فهذه هي الكارثة !
هذه الكارثة التي ظهرت فى اقوى صورها فى فترة الاستفتاء على التعديلات الدستورية وظهور نغمات التخوين و جهل الناس بمصالحهم أوعداء الدين و حتى التكفير !
اصبحنا نضع تصنيفات للناس فكل من يخالفنا فى الرأي - ولو فى فكرة واحدة - لا تستحق اراؤه جميعا الا ان تدفن دون النظر اليها !
و هنا تأتي لعبة المصطلحات السياسية لتبرز لنا اقوى صور الاقصاء الفكري !
فعندما يتحدث اي شخص بمصطلح ما فان الطرف المقابل لا يجهد نفسه فى البحث عن مفهوم هذه الكلمة عند قائلها ، لكنه على العكس تماما يعلق على الكلمة بفهمه الشخصي لها ويقوم بتشغيل اسطوانة التحقير من فكر الطرف المقابل فى الحال !
فبعض الليبراليين عندنا تذكر امامه كلمة دولة اسلامية يثور غاضبا ويبدا فى تشغيل اسطوانة الدولة الثيوقراطية والحكم بالحق الالهي !
على الرغم من ان كل التيارات الاسلامية بلا استثناء اكددت مرارا على ان مفهوم الدولة الثيوقراطية غير موجود بالاساس عند المسلمين من اهل السنة و الجماعة !
و عندما يتحدث احد من التيار الليبرالي فان بعض ممن ينتمون الى التيار الاسلامي يترجم فى عقله فى الحال ان ليبرالي = علماني = محارب للدين = كافر ويبني كل حديثه واراؤه على هذا الفرض !
و سأروي لك موقف من اكثر المواقف التي استفزتني ودفعتني لكتابة هذه التدوينة ، لكن لكي تعي الموقف لك انت تعلم اولا ان الاخوة فى التيار السلفي لديهم حساسية من الشيخ يوسف القرضاوي ، والصوفية .
الموقف انني رأيت تعليقا لدى احد اصدقائي الذي كان يدعو لندوتين فى كليتنا احداهما للد.يوسف زيدان والاخرى للشاعر عبد لرحمن يوسف ، وكان صاحب التعليق يسأل "من هؤلاء" ، فرد عليه صديقي بانه ممكن يعمل بحث على الاسامي على جوجل و سيجد كل ما يخصهم ، فرجع زميلنا العزيز ووضع تعليق بشكل فيه تهكم واتهام ، كاد ان يصيبني بجلطة !
"واحد ابن يوسف القرضاوي والتاني صوفي ! " !
هكذا اختذل شخصين كاملين بكل افكارهم وارائهم وثقافتهم وحتى وجودهم فى كلمتين !
ارجوك لا تختذل افكار شخص فى كلمة ، التيارات السياسية الاربعة فى مصر (الاسلامي و اليبرالي و القومي العربي واليساري) هي تيارات لها افكار عامة ولكن تحت كل منها روافد كثيرة وافكار كثيرة تختلف من شخص لاخر ، لا تحكم على شخص قبل معرفة افكاره كلها.
امثلة بسيطة :
اذا كان هناك ليبرالي ينادي بضرورة الفصل التام بين الدين والدولة و ان لا يكون للدين مكان فى المؤسسات الرسمية للدولة على الاطلاق ، فان هناك ليبرالي اخر يفهم ان الدعوة للحرية يجي ان لا تتعارض مع المصلحة العامة للمجتمع و احترام عادات وتقاليد ودين هذا المجتمع.
وكما ان هناك من الاسلاميين من يرفض ترشح المراة والقبطي للرئاسة فهناك من لا يمانع ترشحهما لكن مع تحفظه على انه لن ينتخب اي منهما وهناك من يجيز ترشحهما على اساس اختلاف فكرة الولاية العامة فى العصر الحالي واعتمادها على المؤسسات وليس الافراد.
الخلاصة : عليك ان تتعرف على افكار الاخر ورؤيته لا ان تحكم عليه بكلمة واحدة و تذكر دائما قول الامام الشافعي " رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " ، و ان نقاشك مع الاخرين فى افكارهم قد يفيدك انت فى تحسين فكرتك و اخراجها فى صورة افضل من رؤيتك المنفردة !